-A +A
أسامة خياط
في وصايا القرآن الحكيم وعظاته، وفي إيماءاته وإشاراته، وفي قصصه وأخباره ــ من الهداية للتي هي أقوم، والدلالة إلى سبيل السعادة في العاجلة، والفوز والنجاة والحظوة برضا الرحمن ونزول رفيع الجنان في الآجلة ــ ما يبعث الموفقين الملهمين من أولي الألباب على إدامة النظر في آياته، ومزيد التدبر لمعانيه وأسراره.
ومما جاء به هذا الكتاب العزيز حديثه الضافي، وبيانه الشافي عن معالم فضل هذه الشريعة المحمدية المباركة، ورفعة قدرها، وسمو منزلتها، وكونها الحق الذي لا يجوز العدول عنه ولا استبدال غيره به؛ لأن غيره هو «أهواء الذين لا يعلمون»، وإذا كانت الأهواء عامة: أسوأ متبوع، وأقبح مطاع، وأشأم قائد، وأضل دليل، فكيف بأهواء «الذين لا يعلمون» وهم الجاهلون بالحق، الضالون عن سبيله، العاملون بضده؟!

إن اتباع أهوائهم ليس طريقا إلى الفشل والخسران فحسب، ولكنه ــ مع ذلك ــ دليل صارخ على سوء اختيار المرء لنفسه، وفداحة الغبن الذي أوقعها فيه؛ فإن هؤلاء الجاهلين بالحق، العاملين بالباطل، لن يغنوا عمن اتبع أهواءهم من الله شيئا يوم يعرضون عليه، ولن يردوا عنه غضبه وعقابه وأليم عذابه، فهم يتولون بعضهم بعضا، وهم لا يملكون أن يضروا غيرهم شيئا حين يتولى بعضهم بعضا.
جاء هذا الحديث في خطاب الله ــ تعالى ــ لنبيه ــ صلى الله عليه وسلم ــ بقوله ــ سبحانه: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين).
بل إن هؤلاء الجاهلين ليعلنون البراءة ممن اتبعهم وانساق لأهوائهم كما أخبر الله عنهم بقوله ــ عز اسمه: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)، مثلهم في هذا: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين).
ولا يقف الشيطان معهم عند هذا الحد؛ بل يزيد عليه توجيه اللوم والتقريع؛ تبكيتا؛ لتعظم الحسرة، وتشتد الندامة: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم).
فأي السبيلين أهدى، وإلى أي الوجهتين يولي اللبيب وجهه؟!
* إمام وخطيب المسجد الحرام